تسجيل الدخول
إعادة ابتكار المدارس للعصر الرقمي من  الخميس, 20 أيلول/سبتمبر 2018 19:08

إريك هازان - ترجمة: د. غادة الشامي

لا يزال نظام التعليم يؤدي نفس الوظيفة التي كان يؤديها الذي يتمثل في "تعليم المرء التفكير العميق والتفكير البناء . . . و"الذكاء بالإضافة إلى الشخصية هذا هو الهدف الحقيقي للتعليم"، كما وضعه مارتن لوثر كنغ جي آر.

 لقد تطورت المناهج ولكن الطريقة التي يتم تدريسها بها لم تتغير بدرجة كبيرة. في الوقت الحاضر، عندما أصبح تقريبًا جميع المعارف متاحة على الإنترنت وأن الآلات تتفوق على البشر في وظائف معرفية متزايدة التعقيد، يجب على مطوري المناهج إعادة تعريف " التفكير العميق والبناء". ستطلب الشركات قريبًا موظفين قادرين على العمل مع زملاء رقميين وبشريين على حد سواء وعلى مشاريع تعاونية ومتزايدة التعقيد. هل يمكن لطرق التدريس التي كنا دائمًا نستخدمها أن تعد الطلاب للقيام بذلك؟

وبالإضافة إلى هذه الحاجة الملحة إلى التحديث، فإننا نرى أن النسبة بين التكلفة وفعالية التعليم تتدهور في معظم الاقتصادات المتقدمة.

التعليم العالي في الولايات المتحدة يعتبر المثال الأبرز على ارتفاع الأسعار: فقد يشهد تكلفة التعليم الجامعي نموا بمعدل 5.2 في المائة سنويًا منذ بداية تسعينات القرن الماضي. وفي الوقت الحاضر، تبلغ تكلفة درجة الماجستير 30000 دولارًا في الجامعات الحكومية وأكثر من 120.000 دولارًا في الجامعات الخاصة. ونتيجة هذا التضخم هو أن إجمالي ديون الطلاب الأمريكيين بلغ أكثر من 1.2 تريليون دولارًا، تعتبر قنبلة مالية موقوتة كما يقارنها بعض الاقتصاديين مع أزمة قروض الرهن العقاري في عام 2008م.

وعلى الرغم من أن الارتفاع أقل إثارة في فرنسا إلا أنه ليس قليلاً في الواقع. حيث عرضت وزارة التعليم الوطني من خلال وثيقة إحصائية بعنوان "المعايير والمراجع الإحصائية" أن الإنفاق المحلي على التعليم قد ارتفع بنسبة 93٪ على نحو مطرد باليورو منذ عام 1980م. والأمر المثير للقلق، أنها تزايدت بمعدل أسرع من إجمالي الناتج المحلي للدولة و يمثل في الوقت الحاضر ما نسبته 6.8 ٪ مقابل 6.5 ٪ قبل جيل. علاوة على ذلك، منذ أوائل الألفية الثانية؛ فإن إسهام الأسر المعيشية في هذا الإنفاق آخذ في الارتفاع أيضاً، وهو ما يعكس على وجه الخصوص تضخم سوق الدعم المدرسي أو الارتفاع المستمر في الرسوم في المدارس والجامعات المرموقة.

ما الذي يجنيه الطلاب نتيجة لهذه التكلفة؟ تعكس المؤشرات اتجاهًا منحدرًا. أظهر تقرير أعده مكتب ماكينزي باريس في عام 2012م وجود فجوة كبيرة بين حاجة الشركات إلى مهارات معينة وتوافرها في سوق العمل. بحلول عام 2020م، يتوقع هذا التقرير عجزًا يصل إلى 2.2 مليون خريج لتلبية حاجة أرباب العمل، في حين أن 2.3 مليون شاب غير مؤهلين أو تحت التأهيل سيجدون صعوبة في العثور على وظيفة. في كل عام، يتخرج نحو122,000 شاب أو ما يزيد قليلاً عن واحد على ستة من نظام المدرسة في فرنسا بدون مؤهلات على الإطلاق. وفي دراسة حديثة، قدم المنتدى الاقتصادي العالمي نفس الملاحظة، شمل هذه المرة العالم بأسره، وذكرت الدراسة أن الأنظمة التعليمية الحالية تعد أطفالنا بشكل غير كاف لمهن الغد. ففي الولايات المتحدة، حيث تضرب تكلفة التعليم الجامعي الطبقة الوسطى خاصة بقوة مما أدى إلى بروز نقاش حول "ربحية" التعليم العالي. يناشد المناضل بيتر تيل علنًا الشباب الأمريكيين الطموحين الانسحاب من الجامعات واختيار "مدرسة الحياة".

الحاجة الملحة للتحول في المدارس

في مواجهة التحدي المزدوج المتمثل في زيادة المهارات بينما التحكم في التكاليف، لا يملك أنظمة التعليم خيارًا آخرًا سوى الانفتاح على ابتكارات التعليم، والابتكارات الرقمية بصفة خاصة. لنكن واضحين: يتطلب التحول الرقمي للتعليم أكثر من مجرد تركيب جهاز حاسب في الجزء الخلفي من الفصل الدراسي أو إصدار أجهزة الآيباد. التحول الحقيقي يعني تجديدًا كاملاً لأدوات المدرسة فضلاً عن دور المعلم.

ما يخلص إليه هذا هو التشكيك في احتكار النظام المدرسي. حيث أنها قابلة للمقارنة مع ما حدث للبنوك مع ظهور نظام التقنية المالية. فالعملاء الذين كانوا محتجزين من خلال الخدمات المجمعة للمؤسسات البنكية أصبحوا فجأة يتمتعون بحرية الانتقاء والاختيار من بين مجموعة من المنتجات.

هذا النوع من التغيير غالبًا ما يكون غير مستوعب في بادئ الامر، سيكون فقط من خلال عدد قليل من المتبنيين الأوائل الذين ينظر إليهم على أنهم أشخاص متطرفون. لكن الأمور يمكن أن تتزايد بسرعة ومن السهل تركها.

لقد ظهرت بالفعل بوادر مبكرة لتآكل احتكار النظام التعليمي. على سبيل المثال، لقد تضاعفت النسبة المئوية لأطفال التعليم المنزلي في فرنسا بين عامي 2007م و 2014م. ومن المسلم به أن هذا لا يزال منخفضًا للغاية، حيث ارتفع من 0.16٪ إلى 0.32٪ بين هذين التاريخين لكن كما يحدث مع القطاعات الأخرى يمكن أن يحدث التغيير بسرعة.
مستقبل التعليم: المعلم الرقمي للجميع؟

مع المعايير الاقتصادية التي أضحت ممكنة بفضل التكنولوجيا الرقمية، فإن ما كان بالأمس امتيازًا مخصصًا للنخبة، وهو تعلم شخصي مع معلم يعمل على تكييف وتيرة التعلم مع التلميذ، يمكن إتاحته للجميع ويمكن أن يصبح قاعدة لأنظمة المدارس الابتدائية والثانوية.

وفي مجال التعليم العالي، حتى لو استمرت المحاضرات على البقاء، يمكن بسهولة أن تأخذ شكل مقاطع فيديو على الإنترنت. أكثر من 4000 دورة مكثفة مفتوحة على الإنترنت بالفعل متاحة مجانًا، وغالبًا ما يقدمها أساتذة جامعات مرموقون. ومع ذلك، فإن تنسيق المحاضرات نفسه سيواجه منافسة شرسة من خلال "الألعاب المثيرة" أو "الألعاب التطبيقية" التي تجمع بين التعليم والترفيه والتي تنتشر في السوق بسرعة.

أما فيما يتعلق بالأطفال، فإن التعلم الجماعي يعتبر أمرًا حاسمًا، يجب القيام به بحد أدنى من قبل إشراف الكبار. نحن نعرف من تجربة المثل القائل: "ثقب في الجدار" - الذي يشير إلى مطعم صغير مع أكل لذيذ - التي أجرتها سوجاتا ميترا أن الأطفال قادرون على التنظيم الذاتي للوصول إلى هدف التعلم باستخدام آلة محوسبة. هذا المزيج من التعلم الجماعي والإدارة الذاتية والتعلم التعاوني يؤدي وظيفة أفضل لتعزيز المهارات المرنة للطلاب اكثر من التعليم النظري من خلال الاستماع وإظهار التعاطف والتعاون.

سيصبح دور المعلم تدريجيًا له قيمة مضافة رفيعة من دور المدرب والمساعد من خلال مساعدة الخوارزميات والأدوات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة. يمكن لهذه الادوات أن تحل محل المعلم في الإجابة على الأسئلة الروتينية من الطلاب وتحرر الأساتذة للعمل مع الطلاب في المجالات التي يستطيع الإنسان التعامل معها فقط. يمكن للبرنامج التحاوري (chatbox) أن يحل محل المشرف التعليمي. قام مؤخرًا، معلم في معهد جورجيا للتكنولوجيا بتجريب هذا الأمر. أنشأ البروفيسور أشوك جويل مساعد تدريس البرنامج التحاوري (chatbox) الذي تم توظيفه للإجابة على أسئلة الطلاب. المثير للدهشة، أن الطلاب لم يدركوا أنهم يتفاعلون مع صندوق دردشة.

كما يمكن لتحليل البيانات الآلي أن يساعد المعلم على استهداف نصائح الطلاب وتخصيصها. لقد طوّرت بعض الجامعات الأمريكية بالفعل الأدوات لتحديد الطلاب المتعثرين من خلال الجمع بين البيانات الاجتماعية والديموغرافية من خلال درجاتهم. ثم تقوم الأدوات بتقديم توصيات هادفة: الوحدات التي تُؤخذ والمجالات المعرفية التي تُعزز والتمارين التي يجب القيام بها إلخ. حيث ارتفع معدل النجاح في الاختبار بمقدار الثلث بين بعض الفئات الضعيفة من السكان المستهدفين بتحليل البيانات الآلي. وبالمثل، طوّرت المدرسة التجارية إي أم لايون تطبيقًا باسم صانع المباراة (MakerMatch) الذي يجري اختبارات معرفية للطلاب لتحديد تفضيلات نمط التعلم، مثل تقنيات الحفظ أو الادراك المنطقي أو القدرة على العمل من خلال النصوص أو مقاطع الفيديو أو المستندات الصوتية. يمكن للطلاب بعد ذلك نقل مقرراتهم إلى ملفاتهم الشخصية ومن ثم البحث عن أقران مماثلين لهم في الفهم للتعاون معهم.

المدارس تجني كل شيء بمجرد الاعتراف السريع بهذا الواقع الجديد واتخاذ الإجراءات فورًا. لا يقوم مبدأ تعليم واحد يناسب الجميع بتدريب الأطفال على التفكير العميق أو البناء في عالم رقمي متزايد. بدلاً من ذلك؛ فإنها تنتج خريجين بمهارات متزايدة عفا عليها الزمن.

الاختبار والتعلم للتعلم

هل سيصبح نظام التعليم بوتقة لهذه الابتكارات؟ أم سيكون من الصعب جدًا التكيف مع التغيير السريع الساحق؟ هل ستكون مهجورة بشكل تدريجي من قبل عائلات لديها الوسائل للقيام بذلك؟ هل سنرى تفكك التعليم؟ كيف يمكننا تمكين نظام تعليم يحافظ على السباق بين التقدم التكنولوجي والابتكار التعليمي؟

ما وراء تلك توجد مزيد من الأسئلة محفوفة بالمخاطر. ماالنموذج الاقتصادي لتعليم المستقبل؟ ما الذي يجب أن نعلمه لأطفالنا من أجل إعدادهم ليصبحوا مواطنين وأفرادًا فاعلين وأعضاء متطورين إلى حد بعيد في المجتمع ومساهمين اقتصاديًا؟

يمثل التعليم أحد أكبر التحديات التي تواجه الدول. يكافح أرباب العمل بالفعل للعثور على عمال ذوي مهارات مناسبة، فلن تؤدي رقمنة كل شيء إلا إلى تفاقم هذه المشكلة. ببساطة يجب أن يتطور نظام التعليم. ثلاث كلمات تلخص التغيير الذي يجب أن يحدث: التجريب والاستقلالية والمشاركة. يمكننا أن ننظر إلى الشركات في جميع أنحاء العالم التي تحتاج إلى التطور بنفس الطريقة. ما الذي نلاحظه في الأنظمة التنظيمية المعقدة كما في الشركات الكبيرة أو في الواقع نظام تعليمي متكامل؟

في رأينا أن الرؤية والقيادة من القمة يعتبر عنصر جوهري ولكنها ليست كافية لوحدها لتحقيق التحوّل. المعركة تكسب في الميدان. في الميدان، يجب تحفيز اللاعبين ودعمهم للتساؤل عما يقومون به ومن خلال مزيج مناسب لمنهجية التدريس والتحفيز والتدريب. يجب أن يتم منحهم حرية اختبار وتقييم التجارب والتخلي عن تلك التي قد تؤدي إلى الفشل أو تكون باهظة التكلفة وتعلم الدروس ونشرها وإعادة إنتاج الناجحين على نطاق أوسع.

 

كاتب المقال الأصلي: إريك هازان

ترجمة: د.غادة الشامي

رابط المقال الأصلي:
https://mck.co/2NsNlY8

قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)
غادة شاكر الشامي

متخصصة في علوم الحاسب الآلي والتربية ورياض الأطفال والمناهج وطرق التدريس وتقنيات التعليم والاتصال والتصميم التعليمي والإعلام الاجتماعي.

مهتمة بالموهبة والإبداع والتميز.

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

موقع الأكاديميون السعوديون © جميع الحقوق محفوظة 2020