1- الموضوع أو الفكرة الرئيسية.
2- التسلسل الزمني.
3- الغاية أو الهدف من القصة.
ومن ثم ستتعرف تدريجيَا على المخطط التمهيدي أو الهيكل العام لحكايتك وستكون جاهزَا بعدها لكتابة ورقة علمية موجزة، وجذابة، وسهلة الفهم.
ما الذي يجعل للأسلوب القصصي هذه القدرة على التأثير؟ للإجابة على هذا السؤال يحتم علينا الرجوع لما لا يقل عن 100 ألف سنة من التاريخ الإنساني (عندما بدأ الإنسان الكلام وطور قدرته على النطق)، إذ اعتمد على الكلمات المنطوقة كطريقة للتواصل مع الآخرين لما يقارب 94 ألف سنة. فالقصص ساعدتنا على البقاء، وكيّفت عقولنا على حب القصص.
يعمل بول زاك من جامعة كليرمونت للدراسات العليا في كاليفورنيا على دراسة تأثير القصص على أدمغتنا، ووجد أن دماغ الإنسان يفرز هرمون الأكسيتوسين –oxytocin- عند انجذابه لقصة أو حكاية ما. فيؤثر هذا الهرمون على مزاجنا وسلوكياتنا الاجتماعية. لذا يمكننا القول بأن القصص هي أسرع طريق لكسب مشاعرنا.
بالإضافة إلى أن القصص تساعدنا كذلك على تذكر وحفظ الحقائق. إذ قام غوردن باور وميكال كلارك من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا بتجربة على عينة مكونة من مجموعتين، وطلب منهم حفظ أسماء عشوائية وإرشادهم بطريقتين مختلفين لحفظ الأسماء. فقامت المجموعة الأولى بحفظ الأسماءعن طريق إنشاء قصة قصيرة مكونة من شخصيات تحمل هذه الأسماء، أما المجموعة الثانية فطلب منهم التدرب على حفظ الأسماء من خلال التكرار والترديد. وكانت النتيجة: أن الأفراد بالمجموعة الأولى الذين استخدموا القصة كأسلوب لحفظ الأسماء قدموا نتيجة جيدة وتذكروا الأسماء بحوالي 6 أو 7 مرات أفضل من المجموعة الثانية.
ما القصة؟
إذاَ نصل لحقيقة أن البشر ينجذبون عادة لقصص الحب ويتعلقون بها. فهي تؤثر علينا عاطفيَا وتعزز من قوة ذاكرتنا. لكن ماذا تعني القصة؟ حقيقة يبدو إننا سنحصل على العديد من التعريفات لو أننا تركنا المجال للجميع في تعريف ذلك، على سبيل المثال: أجرى زاك بعض التجارب لمحاولة اكتشاف فئة القصص الأكثر تأثيرًا على الطبيعة البشرية، وكانت النتيجة أن القصص التي تشعرنا بالفضول والحماس ونرتبط بها عاطفَيا هي أكثر القصص تأثيرًا علينا. أي القصص التي تتضمن عنصر الضغط أو التوتر، كأن تحتوي على نوع من الصراعات، حادث ما، أو مشكلة، فتشعر بوجود ثغرة أو خلل ما ينبغي تصحيحه في الحكاية.
لنلقي نظرة سريعة على هوليوود، إذا تفحصنا أعمالهم الدرامية سنلاحظ أن أغلبها مبنية على هيكلة واحدة بسيطة: ترتكز معظم الدرامات على شخصية رئيسية، تزاول حياتها بشكلها الطبيعي إلى أن تواجهها مشكلة معينة تغير من رتابة حياتها. وتبدأ الإثارة الحقيقية عندما تحاول الشخصية مواجهة وحل هذه المشكلة. ستعيش الشخصية بعض التقلبات والصراعات التي ستقود الدراما للحدث الأكبر الفاصل لحياتها، كخوضها لشجار ما، أو حضور حفلة معينة. وبعدها ستُحل وتهدأ الأمور بطريقة ما. سنرى كيف سرت الأمور لصالح بطلتنا في القصة، وكيف غيرت الأحداث من مجرى حياتها.
الشكل الحلزوني لعناصر الحبكة القصصية:
ستزيد فرصة نجاح الفلم على صعيد شباك التذاكر والإيرادات إذا بنيت القصة على أساس عناصر الحبكة الأساسية الستة: (الشخصية الرئيسية، البيئة الفنية، الحدث، الحبكة أو العقدة، ذروة الصراع، الحل أو النهاية). قمت بتصميم عناصر الحبكة على شكل حلزوني أو لولبي كما هو موضح في الشكل رقم (1) في يسار الصفحة أدناه، نلاحظ في الدائرة أن البطل عاد للنقطة الأولى، أي عاد لبداية الحدث وكأن الشكل الحلزوني يلتف مره أخرى ليصنع دائرة جديدة وقصة جديدة. مرحباَ! وصلنا للجزء الثاني من الفلم!
إذَا.. كيف يمكننا استخدام عناصر الحبكة القصصية في صياغة قصة الورقة العلمية؟
انظر للشكل رقم (1) في يمين الصفحة، و سأشرح طريقة تطبيقها في القسم التالي.
الشكل رقم (1): استخدام عناصر الحبكة القصصية في صياغة قصة الورقة العلمية.
قصة علمية:
كيف نكتب قصة علمية؟
بداية سنبدأ بتحويل عناصر الحبكة القصصية لما يقابلها من عناصر البحث العلمي، سنقوم أولَا بتحديد الشخصية الرئيسية والبيئة الفنية لورقتك العلمية.. بكل أسف لن تقوم الممثلة جيسيكا جونز بتمثيل الشخصية الرئيسية هنا، بل سيكون هدف الدراسة والأداة بمثابة الشخصية الرئيسية الذي يرتكز عليها البحث. قد تتمحور حول مرض ما، آلية عمل أو ردة فعل معينة، نظرية أو وثيقة تاريخية. أما البيئة الفنية (الزمان والمكان) فهي الخلفية العلمية الموجودة في مقدمة البحث والمراجعات الأدبية أو الدراسات السابقة. بحيث إنك ستذكر ما تم إنجازه مسبقَا في هذا المجال وما سيتم إنجازه في هذه المرحلة وذلك لتعطي القارئ صورة لموقعك البحثي الحالي.
وكما هو الحال مع أفلام هوليوود - إن لم تُضف عنصر الإثارة (الحدث) لقصتك فلن تتمكن من تشويق القارئ. ينبغي عليك لتتحقق من جذب انتباه القارئ أن توضح الفجوة البحثية للدراسات والأدبيات السابقة، أي المشكلة التي تقترح حلها في بحثك. مثل التساؤلات التالية: لماذا الطريقة "س" غير كافية لحل المشكلة "ص"؟ أو ما الخفايا التي مازلنا نجهلها عن الآلية أو التقنية "ع"؟.
استخدم المرادفات والروابط الآتية لتقديم الحدث أو فجوة البحث :
(ومع ذلك، على الرغم من ذلك، غير أن، لكن، باستثناء). لا تخدع قراءك بالعبارات المفتوحة والعامة وتشتتهم بالتعميمات، حدد المشكلة بدقة.
بعد ما انتهينا من تحديد العناصر الثلاثة الأولى للحبكة القصصية في بحثك، يمكننا الآن الانتقال للعنصر الرابع، ألا وهو عنصر الحبكة أو العقدة للورقة العلمية. يمكنك بهذه المرحلة استعراض مخطط وتفسيرات البحث: أي ماتوصلت له من نتائج واستنتاجات. بحيث يُتوقع منك معالجة مشكلة البحث تدريجيَا، واستعراض تلك الحلول في قسم النتائج. وستصل في نهاية المطاف لذروة قصتك العلمية (أو المرحلة الحاسمة التي تعقد فيها نتائج البحث): أي الاستنتاجات التي ستستنبطها من نتائج البحث التي تحصلت عليها (خاتمة البحث).
لم ننتهي بعد من مراحل الكتابة، فعادةَ ما يتعلق المشاهد/القارئ بالقصة ويرغب بمعرفة المزيد حول نهايتها، وهذا ما عهدناه في الدراما التلفزيونية. لذلك سيحتم علينا تغذية فضوله حول تفسيرات الخاتمة أو النتائج وذلك بالإجابة على النقاط التالية: ماذا تعني نتائجك؟ و ما مدى مساهمتها في المجال البحثي والدراسات السابقة؟ كيف تساعد نتائجك في تفسير الظاهرة "س" و "ص"؟ ما فائدة حلولك؟ وكيف يمكننا تطبيقها في التقنية "ع"؟ ما هي خلاصة البحث؟ هل يجب تقصي جوانب إضافية للإجابة على الأسئلة التي أثارتها النتائج؟
يتضح لنا أهمية قسم المناقشة والآفاق المستقبلية في الورقة العملية، والذي غالبًا ما يتم تجاهله واختصاره من قبل الباحثين.
كيف يمكنك جذب القراء وإثارة فضولهم لقراءة المزيد:
للقصص الناجحة ثلاثة عناصر أخرى أساسية يمكن إضافتها للعناصر السابق ذكرها، إذ ترتكز القصة الناجحة على فكرة أساسية واحدة، وتلتزم بالتسلسل الزمني للأحداث، وكل مواضيعها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهدف وغاية القصة الأساسية، وهذا ما ينطبق كذلك على الورقة العلمية. إن عدم قدرتك على تلخيص الورقة العلمية بجملة أو فكرة واحدة إشارة على تشتت ذهنك. فتحديد الفكرة الأساسية يساعد على تجميع النقاط المختلفة وسردها بشكل منطقي ومترابط.
عادة ما تلتزم القصص والأفلام بتسلسل زمني أو على الأقل منطقي للأحداث. وهذا ماينبغي عليك مراعاته عند كتابة قصتك العلمية. ولا نعني بالتسلسل الزمني أن تذكر تفاصيل ما مررت به من أفكار أو الخطوات الزمنية لتطور أفكارك البحثية عند إجراء الدراسة، فالمقصد هنا هو قدرتك على تلخيص التسلسل المنطقي للخطوات التي أوصلتك لهذه الاستنتاجات.
ستتمكن من صياغة موضوع بحثك بصورة ملائمة إذا أخذت بالاعتبار التسلسل الزمني للأحداث والتزمت بالفكرة أو الموضوع الأساسي للبحث، وعندها ستبرز لك الجوانب الهامشية غير المرتبطة بالبحث وسيسهل عليك تصفية المعلومات الإضافية غير اللازمة أو إضافتها للنص الثانوي الداعم للنص الرئيسي. فلا أحد سيفهم البحث بصورته المعقدة بقدرك أنت ومن من معك من مؤلفين مشاركين، لذلك خذ بيد القارئ وأثِر فضوله للمضي بالقراءة تدريجيًا وأعنه على فهم البحث .
هذا كل ما تحتاج معرفته لصياغة ورقتك العلمية كقصة مشوقة. وكما ذكرنا آنفا، فكّر فقط بالعناصر الستة للحبكة القصصية: الشخصية، البيئة الفنية، الحدث، الحبكة أو العقدة، ذروة وشدة الأحداث، الحل أو النهاية. وأضف إليها عناصر القصة الأساسية: الموضوع أو الفكرة الرئيسية، و التسلسل الزمني للأحداث، والغاية أو الهدف من القصة. ستتمكن عندها من تحديد المخطط التمهيدي أو الهيكل العام لحكايتك وستكون جاهزَا بعدها لكتابة ورقة علمية موجزة، وجذاب، وسهلة الفهم.
المصدر:
المترجمة: ريوف المطوع.
المراجعة:هند الغامدي .
تدقيق: منى الحضيف.