تسجيل الدخول

أشيـاء إن تُبْـدَ لنا قد لا تَسُـؤنا !

أشيـاء إن تُبْـدَ لنا قد لا تَسُـؤنا ! من  الجمعة, 29 تشرين2/نوفمبر 2013 09:13

عجلة المعرفة مجنونة بالتأكيد، لم تعد تتحرك للأمام فقط، صارت تقفز، صارت تتحرك على واحدة أحياناً، و على ثلاث أحياناً أخرى، شيءٌ ما صار مريباً حولها، شيءٌ ما صار مثيراً جداً معها، و الأكيد؛ شيءٌ ما صار مُلهِماً كثيراً إزاءها.

 تقرأ في مجلات علمية متنوعة عن التقنية النانوية، الشبكة العصبونية، الهندسة الوراثية، طباعة الأعضاء ثلاثية الأبعاد، الخلايا الجذعية الجنينية، فتشتط فيك أشياء مختلفة، تثور فيك نزعة الدين، ونزعة الخوف، ونزعة الانبهار، ونزعة الارتياب، ونزعاتٌ أخرى تجعل من استقرارك أمراً مشكوكاً و مؤجلاً إلى حين، تصبحُ ملهَماً أثناء ذلك، ثم تصبح مبهَماً حين تود الحديث عنه مع أحدٍ آخر لا يشاركك الحماسة العلمية نفسها.

 

إحدى قصص المعرفة تلك تأتي من عالم ياباني يدعى هيروميتسو ناكوتشي؛ نجح مع فريقه في عام ٢٠١٠ في نقل خلايا جذعية من جرذ طبيعي إلى جنين فأر ليس لديه جهاز بنكرياس بعد، أثناء نمو الجنين -فيما بعد- تكوّن جهاز البنكرياس ليماثل جهاز البنكرياس في الجرذ وليس المماثل للفأر كما يفترَض.

 

بنفس الطريقة نجح هذا العالم أيضاً مع فريقه في زراعة خلايا جذعية لنوع من الخنازير في جنين نوع آخر و نجحوا في جعل جهاز البنكرياس في الجنين مشابهاً للخنزير المنقول منه.

 

خطوتان جريئتان قادتا هذا الباحث إلى افتراض نجاح زراعة خلايا جذعية من الإنسان إلى جنين خنزير ليس لديه جهاز بنكرياس بعد (نظراً لتشابه أعضاء الخنزير في الحجم مع أعضاء الإنسان)، فيما بعد يفترَض أن الخنزير قد نمّى جهاز بنكرياس إنساني يتم استئصاله و من ثم زراعته في جسد مريض بالسكري بعد إزالة جهازه المريض *١

 

خطوة واعدة مثل هذه تجعلنا نعيد النظر مرة أخرى فيما يمكن للإنسان أن يفعله مع رصيد المعرفة المطّرد، خصوصاً فيما يتعلق بمدى التفاؤل بمثل هذه النجاحات المنتظَرة و فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي من جهة أخرى.

 

 في علم الهندسة الوراثية؛ استخدم العلماء نوع معين من الأسماك الهلامية المشعة و المرجان لنقل خواصهم جينياً إلى كائنات حية أخرى لتضيء هي أيضاً، ونجحوا في تطبيق ذلك فعلاً باستخدام الجينات المشعة عبر هندستها جينياً في بعض الخلايا الثديية وزراعتها في عدة كائنات حية بما فيها نوع من القرود؛ مما يوحي بإمكانية عمل ذلك على الإنسان لتجعل الاختباء في الظلام أمراً اختيارياً.

 

الأمر الأكثر إدهاشاً من هذا هو التوصل إلى طريقة يمكن بها التحكم ببعض الكائنات الحية بواسطة أدوات تحكم إلكترونية، مما يجعل السيطرة الإلكترونية عن بعد أمراً ممكناً في المستقبل حتى على الإنسان نفسه، أو على الأقل تطويع الحيوان -بشكل جدلي- لخدمة الإنسان. *٢

 

 قد تبدو بعض هذه النتائج غير منطقية أو غير مجدية حتى، لكنها في الحقيقة تعطي دليلاً ملموساً وقوياً لما يمكن للإنسان أن يصل إليه سواءً على الصعيد الإيجابي أو السلبي لاستخدام المعرفة.

 

 فعلى طرفَيْ نقيض مثلاً؛ نجد مشروعان علميان متناقضان في مدى أهميتهما وفعاليتهما للتطبيق الحي عموماً و للإنساني بشكل خاص سواءً في فكرتهما أو حتى في نتيجتهما، مشروع يتعلق بإعادة إحياء الديناصورات و الآخر يتعلق بتصنيع أعضاء بشرية مثل الأنف و الأذن مختبرياً.

 

المشروع الأول يستند إلى افتراضين علميين، الأول: أن كل الطيور تندرج تحت فئة الديناصورات، الافتراض الثاني: إذا تم إيجاد أي ديناصور يحتوي على أي أثر للـ DNA فإن بالإمكان إعادة إحياء ديناصور جديد.

 

تم العثور على خلايا حمراء لفصيل ديناصور يدعى ريكس، في الحقيقة تم العثور على الأساس البيولوجي للهيموغلوبين لكن لم يتم العثور على DNA، حاول العلماء البحث عن أي شيء آخر مفيد لعدة سنوات حتى تم العثور على عظام فصيل آخر يدعى بي-ريكس، هذه العظام احتوت على أنسجة نخاعية و على أوعية دموية لكن بلا DNA، هذا الفشل أحال القائمين على المشروع إلى الاستفادة من الديناصور بأي شكل كان، وحين تم التعرف على خصائص مشتركة بين ذراع بعض فصائل الديناصور المكتشفة و بين التشكّل البدائي لذيل الدجاج تم افتراض إمكانية زراعة هذا الطرف ليصبح ذيلاً ديناصورياً للدجاج، على افتراض أن الدجاج كائن ديناصوري كما عرفنا ! *٣

 

 المشروع الآخر توصل فيه العلماء إلى صناعة أنف و أذن -بشكليهما الكامل تقريباً- باستخدام الخلايا الجذعية وبعض المدعمات التكميلية الصناعية، و حين أرادوا زراعة أول أنف مصنوع من خلايا جذعية بشكل فعلي على مريض بسرطان الأنف تم استئصال أنفه اتضح أنهم لم يقوموا بتصنيع جلد لهذا الأنف، نتيجة لهذا العائق تم استشارة المريض في إمكانية زراعة الأنف تحت جبينه حتى يكتسي بجلد المريض نفسه لكن رفْضه لهذا الاقتراح كان متوقعاً تماماً، حين تم استشارته في إمكانية زراعته تحت ذراعه وافق على هذا الاقتراح الأقل غرابة، يفترض العلماء القائمون على العملية أن الأنف سيبقى هناك لعدة شهور حتى يتم استئصاله و زراعته بشكل تام في موضعه الطبيعي في الوجه. *٤

 

إذن؛ هي مشاريع علمية لا تنتهي، مجنونة بشكل رائع كما نرى في بعضها و مثيرة للغرابة كما نرى في أخرى، لكن في الحقيقة هذا شبيهٌ بطفولتنا، نلعب بكل أشيائنا في المرة الأولى دون تمييز ثم نختار أفضلها فيما بعد، لأنه وكما يبدو فإن البشر أطفالٌ فعلاً وهم يخطون خطواتهم الأولى في طريق العلم، لأن من الواضح أن المرحلة العمرية للمعرفة طويلة جداً ومعقدة كثيراً إلى درجة التساؤل المباح دائماً كيف يمكن أن نتقدم أكثر؟.

 

 

 

 

 

————————————————————

 

1. Normile, D.  (2013). Japan to Relax Ban on Chimeric Embryo Experiments. Science.

2. Wolpe, P. (2010). It’s time to question bio-engineering. Ted.

3. Horner, J. (2011). Building a dinosaur from a chicken. Ted.

4. Naik, G. (2013). Science Fiction Comes Alive as Researchers Grow Organs in Lab. The Wall Street Journal.

قييم هذا الموضوع
(2 أصوات)
سعد علي الغامدي

أكاديمي مبتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة علم النفس العصبي المعرفي، مهتم بعلوم الدماغ والأعصاب والنفس بشكل خاص و له اهتمامات عامة بالفكر و الفلسفة و التاريخ و الأدب، عضو هيئة تدريس بجامعة الملك سعود، قسم علم النفس.

  • العنوان:
    8900 SW Sweek Dr
  • المدينة:
    Tualatin
  • المنطقة:
    OREGON
  • الرمز البريدي:
    97062
  • البلد:
    United States

2 تعليقات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

موقع الأكاديميون السعوديون © جميع الحقوق محفوظة 2020