تسجيل الدخول

علوم السلوك التنظيمي Organisational Behaviour ودورها في تفعيل موارد المنظمات المعاصرة

علوم السلوك التنظيمي Organisational Behaviour ودورها في تفعيل موارد المنظمات المعاصرة من  السبت, 13 تموز/يوليو 2013 11:52

بقلم: عبدالله بن مداري الحربي

البحث في مجال السلوك التنظيمي والإبحار في جوانبه المتعددة هو نوع من الدخول في تجربةأو تجارب مثيرة، إنه محاولة لتلمس معاناة الأفراد وطموحاتهم وهواجسهم نحو بيئةالعمل بكل ما تتضمنه هذه البيئة من صراعات ومؤثرات داخلية وخارجية. لذلك فإنه لفهم تحليل، وتفسير سلوكيات الأفراد واتجاهاتهم وقيمهم داخل المنظمة – أي منظمة- ومن ثمإمكانية التنبؤ بها فإنه لابد من التعايش مع هؤلاء الأفراد والخوض في تجاربهم اليومية ضمن سياقها التنظيمي – أي داخل بيئة المنظمة فالخروج عن هذه البيئة يفقدهذه التجارب حيويتها ويقلل من درجة واقعيتها -.

 إن لكل فرد – الحديث هنا في السياق التنظيمي- تجارب وآراء تختلف بالتأكيد عن غيره بل إنها تتغير باستمرار تبعا لتزايد الخبرة وتنوع الوظائف التي يمارسها الفرد ونتيجة لتأثير تنوع ثقافات زملاء العمل وأيضاً لتباين واختلاف ثقافات المنظمات التي يتنقل بينها الموظف. وهذا يعني بعبارة أخرى، أن كل منظمة تحوي بداخلها عوالم ثرية وتجارب غنية ورؤى متباينة ومعايشة هذا التنوع – من أجل التأمل والبحث والتقصي للتجارب الإنسانية وتفاعلاتها- يمهد لرؤية واقعية لهذا الحراك المتجدد.

فالباحث في مجال الثقة التنظيميةOrganizational Trust
مثلا – وهو أحد المجالات الحيوية الحديثة تحت مظلة السلوك التنظيمي- يجد الثراء المعرفي الذي يركز على مدى اختلال العلاقة بين القيادات والموظفين ودوره في تغيير تصوراتهم وقيمهم وسلوكياتهم تجاه بعضهم البعض بل على أدائهم الفردي ومن ثم الأداء الكلي للمنظمة. لقد أكدت العديد من الدراسات الحديثة أن فقدان الثقة التنظيمية أو انخفاضها ينمي الاتجاهات السلبية نحو الزملاء ونحو بيئة العمل بشكل عام، وفي المقابل زيادتها يدعم شعور الأفراد بانتمائهم للمنظمة ويوثق ولائهم لأهدافها، وبالتالي فإن الاهتمام بخلق وتنمية الثقة داخل المنظمات بلا شك يعد عاملاً رئيساً في تطور المنظمة وداعماً لاستقرار العلاقات التنظيمية داخلها.

وهنالك حقلٌ آخر في مجال السلوك التنظيمي – لا يقل أهمية عن الثقة التنظيمية- بدأ يتنامى بشكل ملحوظ نتيجة الحاجة الملحة لتفسير تغير اتجاهات الأفراد – سلباً وايجاباً- نحو بيئة العمل وتبعاً للضغوط المتعددة التي يشعر بها الموظفون في هذه البيئة الحيوية.


هذا المجال الذي لفت انتباه العديد من الباحثين والممارسين هو التغيير التنظيمي Organisational Change حيث يركز عادة على دراسة التفاعلات الانسانية وردود أفعال الأفراد
تجاه المتغيرات الخارجية – السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، التكنولوجية على سبيل المثال- والمتغيرات الداخلية كالسياسات المالية للمنظمة، معايير العمل وإجراءاته، علاقات العمل ومراكز القوى وذلك لمحاولة تفعيل إمكانيات المنظمة وإيجاد بيئة قادرة على التكيف مع المتغيرات المحيطة بها.

ونموذجٌ ثالث يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم ونظريات التغيير التنظيمي ويعد أكثر حقول السلوك التنظيمي حداثة حيث لقى اهتماماً من الكثير من الباحثين المعاصرين المهتمين بقضايا وإشكاليات وعلاقات العمل. هذا الحقل الحيوي يهتم بالمشاعر والعواطف والانفعالات في إطار العمل Workplace Emotion وهو يمثل امتداداً لأفكار وأطروحات مدرسة العلاقات الإنسانية ومدرسة العلوم السلوكية معاً.

تعتمد نظريات هذا المجال البحثي على فكرة مؤداها أن بيئة العمل مليئة بالضغوط والتفاعلات التي تحرك وتأثر على انفعالات الأفراد سواءً سلباً أو ايجاباً. وعادة ما يصف الباحثون هذه الانفعالات – أشهر أمثلتها الرضا أو السخط، الفرح أو الحزن، الخوف أو الاطمئنان- بأنها غير واعية لأنها تصدر كردة فعل مباشرة للمؤثرات الخارجية، وردود الفعل هذه تكّون مواقف الأفراد تجاه البيئة التي هي –ردود الفعل- في حقيقتها أحكام واعية ومستقرة يصدرها الأفراد وتمثل شخصياتهم، وهذا بدوره يدفعهم لممارسة سلوكيات معينة، هذه السلوكيات تعد أكثر رسوخاً لدى الأفراد وبالتالي فهي أكثر صعوبة من ناحية تغييرها او استبدالها –مقارنة بالانفعالات والمواقف-.

ومما يدعم هذه النظرية ما توصلت إليه عدد من الدراسات من أن الصفات العاطفية والانفعالية السلبية للأفراد تحدد درجة ميولهم للتغيب عن العمل ورغبتهم في التدوير الوظيفي، وهي في مجملها عامل رئيس في انخفاض درجة الرضا الوظيفي. 
بعبارة مختصرة، العواطف والانفعالات تؤدي إلى مواقف محددة تجاه البيئة المحيطة وهذه المواقف تظهر على شكل سلوكيات وممارسات متنوعة. أو بعبارة معاكسة، لفهم سلوكيات الأفراد فإنه لابد من تحديد مواقفهم الشخصية تجاه المؤثرات المحيطة بهم وقبل ذلك لا بد من إدراك مشاعرهم وانفعالاتهم تجاهها.

إن القاعدة الرئيسة التي ينطلق منها حقل السلوك التنظيمي هي أن سلوك الأفراد، إدراكهم، واتجاهاتهم هي في حقيقتها استجابات وردود فعل للمؤثرات الخارجية- سواءً كانت هذه المؤثرات خارج المنظمة أو داخلها-، مما يعني أن المؤثرات والمحفزات المحيطة بالأفراد تقود إلى سلوكيات واستجابات معينة وذلك يتفق تماما مع ما توصل إليها علماء النفس وخبراء الاجتماع.

وهذا – من جانب آخر - يفسر تزايد الإحباط والتوتر النفسي لدى الموظفين نتيجة ضغوط العمل العالية أوالأعباء الوظيفية المتزايدة دون تقديم حوافز أو مكافآت مجزية تخفف من هذه العوامل، أضف إليها الدور والأثر الملحوظ لبيئة العمل المادية كالإضاءة ، وضيق المكان أو سعته ، وتناسق أو عدم تناسق الألوان في محيط العمل على نفسية وأداء الموظفين سواءً سلباً أو ايجاباً.

ومما يؤكد تأثير العوامل البيئية في أداء العاملين – يعبر عنها عادة في أدبيات هذا الحقل بالمناخ التنظيمي- تزايد اهتمام الباحثين والمختصين بالسلوك التنظيمي خلال العقود الأخيرة بمفاهيم الانتماء والولاء التنظيمي والانغماس الوظيفي كظواهر ومؤشرات لدرجة تعلّق وتفضيل جماعة العمل وبيئته مقارنة بأي بيئة اجتماعية أخرى. وفي الجانب المقابل برزت العديد من الظواهر الأخرى فعلى المستوى الفردي هنالك الاحتراق الوظيفي والعزلة التنظيمية وعلى المستوى الجماعي هنالك التنافس والصراع التنظيمي. وهنالك أيضاً مفاهيم ونظريات متنوعة ومتعددة في هذا المجال النابض بالحيوية.

إن التحديات التي تواجهها المنظمات الحديثة لا تقتصر فحسب على مواجهة المنافسين وخلق استراتيجيات مرنة وتبني سياسات متنوعة، بل هنالك أبعاداً وتحدياتٍ تواجهها هذه المنظمات تكاد تكون أكثر أهميةً وأعظم تأثيراً في تحقيق أهدافها واستراتيجياتها. هذه التحديات تتمثل بكل وضوح في فهم وإدراك المتطلبات والاحتياجات المستمرة للعنصر البشري الذي هو المحرك الرئيس والفاعل لكل الموارد والإمكانيات.

إن الأزمة المالية العالمية (2008م) التي عصفت بالكثير من المنظمات والشركات ساهمت بلا شك في بروز العديد من الظواهر النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وامتد أثرها في ظهور عدد من الأزمات والقضايا التنظيمية التي زادت هي الأخرى إلى ارهاق هذه المنظمات والتسريع في إنهيار بعضها. لقد سارعت العديد من الشركات إلى تفادي المزيد من الخسائر باتباع سياسة تسريح الموظفين وهذا بدوره ساهم في تنامي الشعور بالقلق والتوتر للموظفين نتيجة الشعور بعدم الأمن الوظيفي واحتمالية الاستغناء عنهم على غرار زملائهم، ومن جانب آخر أدت هذه السياسة الى زيادة ضغوط العمل لتحمل الموظفين الحاليين الأعباء الوظيفية وتبعات الاستغناء عن زملائهم. أضف إلى ذلك أنه باتت حالات الصراع ومظاهر العنف والاعتداء الجسدي بين الموظفين في بعض المنظمات تنتشر كردة فعل واستجابة لهذه البيئة المتوترة والضاغطة.

وعلى صعيد الإدارة العليا بالمنظمات المعاصرة أصبح المدراء التنفيذيون والقيادات فيها – المنظمات الربحية بشكل خاص- يشعرون بتداعيات وآثار هذه الأزمة حيث شملتهم سياسات تقليص الخسائر من خلال تخفيض مخصصاتهم ومكافآتهم والمنافع المادية التي يتقاضونها.

لذلك، وفي ظل هذه المتغيرات والأزمات المتعددة التي تحيط بالمنظمات فإن الحاجة لعلوم السلوك التنظيمي ومجالاته البحثية تعد أولوية داعمة للبحث العلمي ووسيلة ضرورية لتطوير مفاهيمه ونظرياته من جانب، وتمثل محور العملية التنظيمية في كافة المنظمات وركيزة لا غنى عنها من جانب آخر. وبالتالي فإن علوم السلوك التنظيمي وتطبيقاته تطرح رؤى وحلولاً للقضايا والإشكاليات المتباينة التي أصبحت سمة بارزة لبيئة المنظمات المعاصرة.

موسومة تحت
قييم هذا الموضوع
(2 أصوات)
الكاتب الزائر

الكاتب الزائر هو كل كاتب تقبل إدارة الأكاديميون السعوديون بنشر مقال له دون التزام من موقع الأكاديميون السعوديون بالنشر الدائم له أو إعطاءه ميزات كتاب الموقع، ودون التزام من الكاتب بالكتابة الدورية للموقع.

المزيد في هذه الفئة : أيتها الجودة من رآك (1) »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

موقع الأكاديميون السعوديون © جميع الحقوق محفوظة 2020