البعض الآخر يجدها معتركاً صعباً، خصوصاً في الفترة الزمنية المحصورة بين السنة ونصف والسنتين، حيث ينقسم الطلاب حول مدى كفايتها في تحصيل المطلوب ـ خصوصاً لطلاب الدراسات العليا لمرحلتي الماجستير والدكتوراه ـ من ناحيتين، ارتفاع مستوى الكفاءة الشخصية المطلوب منهم في الكثير من الجامعات (مقارنة بطلاب البكالوريوس)، و ارتفاع المستوى الأكاديمي لغوياً وعلمياً لمرحلة الدرجة العلمية نفسها من جهة أخرى.
في الوقت الذي يرى فيه بعض المتابعين لحركة الابتعاث أنها تخدم مصالح اقتصادية، أو سياسية، أو ربما دينية أيضاً (عند بعض من يميلون إلى الإغراق في نظرية المؤامرة)، يرى البعض الآخر أن المشكلة هي في انحلال التنظيم المتوازن لمعايير اختيار الطلاب ومدى جدوى المخرجات خصوصاً لفترة اللغة، إذ يقترح البعض وجود حد أدنى من مقومات لغة بلد الدراسة لا بد من تحصيله قبل الابتعاث في سبيل معرفة جدية المبتعث من ناحية، وفي سبيل منح الذين لديهم ـ قدر من اللغة ـ فرصة أفضل باعتبارها مكافأة بشكلٍ ما من ناحية أخرى.
و برغم التداخل الشائك للكثير من القضايا في موضوع دراسة اللغة تنظيراً وتطبيقاً، إلا إن من المؤكد أن الابتعاث لدراسة اللغة كجزء من خطة الحصول على درجة علمية في دولة متقدمة له بعض الفوائد الخاصة به؛ معظم الطلاب الذين أعرفهم لم يفكروا فيها كما يجب ـ بما فيهم الطلاب المتمكنين من اللغة قبل ابتعاثهم ـ ممن كان ابتعاثهم لدراسة اللغة هامشياً و قصيراً أو ربما لم يمروا بها أصلاً.
كنتُ أحد المتحمسين لإنهاء برنامج اللغة في فترة قصيرة و هامشية، برغم نصائح بعض زملائي الذين سبق و اختبروا الدراسة في الخارج من جهتَيْ اللغة والدرجة العلمية.
حين بدأت برنامج اللغة في معهد اللغة التابع للجامعة التي أرغب الدراسة فيها وجدت نفسي فعلاً على مسافة قصيرة من إنهاء برنامج اللغة، لكن أمرٌ ما غير منطقي كان يدور في ذهني حول مستوى اللغة الفعلي جعلني أراجع حساباتي، وجعلني في نهاية الأمر أغير رأيي، و إليكم بعض آرائي التي توصلت لها.
١. معهد اللغة لا يبني لك الجسر المناسب.
حين بدأت الدراسة أول الأمر وجدت نفسي متحمساً لإنهاء فترة اللغة القصيرة لي في المعهد ـ بناءً على اختبار تحديد المستوى ـ، خصوصاً باعتبار المعهد تابع لجامعة تملك تصنيفاً عالياً في تخصصي ولأن المعهد يتضمن برنامجاً أكاديمياً، الأمر الذي جعلني في مواجهة مهارات أكاديمية أعلى شأناً من أن يكون الأمر كله مجرد معهد لغة.
تدريجياً خلال تقدمي في برنامج اللغة بدأت أدرك صعوبة الوضع الأكاديمي نفسه، هذا بخلاف شكي المطرد بين مستوى اللغة الممنوح لي في المعهد وبين المستوى المطلوب مني ـ–ضمناً ـ تحقيقه كطالب دراسات عليا لمرحلتيْ الماجستير والدكتوراه.
بنهاية المستوى الأخير لي في المعهد كنت على يقين بأنني لم أشبع احتياجاتي الأكاديمية ولستُ جاهزاً بعد للخوض فيها ـ مهارياً على الأقل ـ ، وبما إن البرنامج الممنوح لتعليم اللغة كان موجهاً لجميع الطلاب علي اختلاف مآربهم الأكاديمية فقد كان بديهياً أن المعهد لا يمنح كل طالب جسر عبوره للحياة الأكاديمية، خصوصاً لطلاب الماجستير والدكتوراه، لأن الأمر يعتمد على تقييمك الشخصي في النهاية، وهو ما جعلني أواصل البحث عن معهد آخر أواصل فيه الفترة المتبقية المتاحة لشؤون اللغة.
٢. معهد اللغة لا يمنحك اللغة.
من البديهي أيضاً أن نعلم أن معاهد اللغة هي وسيلة للخوض في اللغة، بعض المعاهد تقدم خدمات متنوعة في سبيل ذلك، مثل : دورات إضافية، محاضرات داخل الجامعة نفسها، التواصل الاجتماعي مع متحدثي لغة البلد من طلاب وعائلات داخل وخارج رحاب الجامعة، استخدام اللغة في الحصص اليومية بأساليب متنوعة، خدمة المساعد الشخصي ـ أو المدرس الخاص ـ، وبهذا تتمايز المعاهد فيما بينها، لكن طريقة ومدى الاستخدام تعتمدان على الطالب وحده.
كثير من الطلاب المبتعثين الذين ألتقيهم أو أقرأ ردود أفعالهم في مواقع التواصل الاجتماعي يبدون تذمراً من معاهدهم إما بسبب هيئة التدريس نفسها أو برنامج المعهد أو في حالات أخرى بسبب تكدس الطلاب السعوديين وافتقاد عامل الأريحية في استخدام اللغة، بينما الحقيقة هي أن المعهد لا يمنحك اللغة وإنما يمنحك طريقة للتواصل معها مضافاً لها الفرصة المناسبة لتتعلم بعض المهارات الأكاديمية وتمارسها بشكل معقول، بالإضافة إلى وسائل المساعدة التي يمنحها مثل معامل الكومبيوتر ومصادر المعلومات وغيرها.
٣. معهد اللغة يمنحك أفضلية الحصول على قبول أكاديمي .
بعض معاهد اللغة له سمعة حسنة عند بعض الجامعات أو على الأقل له شراكة معها تجعل من دراستك فيه إلى مستويات محددة يتفق عليها الطرفان سبيلاً للقبول الأكاديمي، وهذا ما يمنح الكثير من الطلاب فرصة تقليدية تماماً للحصول على قبول أكاديمي خصوصاً في ظل التطلب الأكاديمي لكثير من الجامعات للحصول على درجة متقدمة في اختبارات اللغة العالمية مثل " التوفل، والآيلتس، ميتشغان".
٤. معهد اللغة يمنحك التواجد في بلد الدراسة.
من فرص الدراسة في معهد لغة في بلد الدراسة نفسها أن تحصل لنفسك على قبول في معهد اللغة التابع للجامعة التي ترغب في الدراسة بها، هئا لن يمنحك الحصول على قبول أكاديمي بالضرورة (ما لم يكن لديك قبولاً مشروطاً) ولكنه يجعل من تواصلك مع قسم القبول أمراً ميسوراً، خصوصاً حين تعلم بأن كثير من أقسام القبول بالجامعات تمنح تقديراً خاصاً–ـ معلناً أو مضمَّناً-ـ في حال تواصلت معها شخصياً بالحصول على موعد مع رئيس القسم أو مسؤول القبول للحديث بشكل واعي حول رغبتك الجادة في الحصول على قبول أكاديمي وبعض العوائق التي تواجهك خصوصاً من ناحية اللغة، في الكثير من الحالات التي عرفتها يتم منح تسهيلات خاصة غير معلن عنها وبالتالي ترتفع فرص حصولك على قبول أكاديمي، هذا الأمر ينطبق أيضاً إلى حدًّ ما حتى في الجامعات عالية المستوى لكن ليس فيما يتعلق بموضوع اللغة، إنما فيما يتعلق بالحصول على قبول أكاديمي في ظل المنافسة العالية، مع أهمية إظهار بعض ال جوانب الأكاديمية العالية تعوض فقدانك لبعضها، هذا الأمر مفيدا أيضاً أحياناً ـ في حال رفض طلبك الأكاديمي عند التقديم له بالطريقة الاعتيادية، يصبح حضورك للقسم بموعد خاص مع رئيس القسم أو حتى عميد الكلية (في حال كانت رغبتك قوية ولديك حجج مقنعة بمدى أهليتك لتكون طالباً في هذه الجامعة أو تلك) فعالاً وسبباً في القبول في بعض الأحيان.
٥. معهد اللغة يرفع عدد توصياتك العلمية.
كثير من طلاب اللغة في وقتٍ ما لا يتعاملون مع حضورهم وغيابهم وعلاقتهم بهيئة التدريس في معاهد اللغة اهتماماً كبيراً، هذا قد يفوّت عليك الفرصة للحصول على بعض التوصيات العلمية التي قد تكون أكثر إفادة لك في قبولك الأكاديمي من توصيات الجامعة التي تخرجت منها في بلدك خصوصاً حين تكون التوصية من مدرس لغة هو عضو هيئة تدريس بقسم اللغة في الجامعة، أو على الأقل لأنها توصية علمية حديثة مقارنة ببعض التوصيات العلمية التي قد يكون مر عليها وقتٌ طويلٌ نسبياً، وفي أقل الأحوال فهي وسيلة لرفع توصياتك العلمية أو تعويض فقدان أحدها أو عدم التوصل إليه من جهة الجامعة نفسها، في بعض الأحيان لا يتمكن قسم القبول من التواصل مع أصحاب التوصيات التي مُنِحَتْ لك لسبب أو لآخر، مما يضطرهم للاعتذار عن قبولها كتوصية واضطرارك للبحث عن أخرى.
٦. معهد اللغة يعفيك من اختبارات اللغة القياسية.
بعض الجامعات تتفق مع معاهد اللغة داخلها بعمل اختبار لغوي قياسي بمعايير أقل تحفظاً أو صعوبة من اختبارات اللغة القياسية الأخرى مثل التوفل والآيلتس وميتشغان، الحصول على الحد الأدنى في هذه الاختبارات يعفي طلاب المعهد من إحضار متطلب اختبارات اللغة القياسية المشهورة تلك ويجعل الأمر أكثر سهولة، وبعض الجامعات الأخرى يكتفي بدراستك في معهد لغة لمدة لا تقل عن سنة إلى سنة ونصف على اعتبار أنها جهة تعليمية في بلدٍ لغته الأولى هي الإنجليزية كما هي لغة المعهد أيضاً.
٧. معهد اللغة فرصة لحضور محاضرات داخ الجامعة.
بعض المعاهد الأكاديمية الجيدة تمنح طلابها الفرصة ـ عند مستوى متقدم ـ لحضور محاضرات جامعية داخل الجامعة بالاتفاق مع أعضاء هيئة التدريس لمدة تتراوح بين يوم واحد إلى عدة أسابيع، هذا أحد الأسباب التي تجعلك إما تقرر الدخول في معترك الحياة الأكاديمية حينها أو التريث قليلاً، خصوصاً حين يقع الاختيار على مادة في تخصصك الدراسي.
٨. معهد اللغة فرصتك للتعامل مع خبرات أكاديمية متقدمة.
معظم طلاب معاهد اللغة ـ تحديداً في المعاهد الأكاديمية ـ يتعلمون عدة مهارات أكاديمية عامة قد لا تكون بالضرورة هي نفسها في بلداننا الأصلية لكنها مهارات أساسية لا غنى لطالب الجامعة عنها، إلا إن الفرصة الحقيقية في بعض المعاهد المتميزة القليلة هي في التدرب على بعض المهارات المتقدمة أو أخذ فكرة كافية للتحضير المناسب لها خصوصاً لطلاب الماجستير والدكتوراة، هذه الخبرات الأكاديمية لا يمكن الحصول عليها في الغالب إلا في معاهد متميزة أو بالدخول إلى معترك الحياة الأكاديمية والتعامل معها، لكنها في مرحلة اللغة أفضل لأنك لن تضطر للمعاناة مع درجاتك فيها بعكس ما سيحدث في دراستك الجامعية، بعض هذه الخبرات الأكاديمية يتمثل في كتابة مقالات أكاديمية مقارنة، أوراق البحث العلمي، الندوات العلمية، وغيرها، فرصتك هنا ليست فقط في اختبار هذه الأمور من ناحية أدائها، بل بمعايير تقييمها أيضاً.
٩. معهد اللغة يتيح لك إثراء سيرتك الذاتية.
بعض معاهد اللغة تمنحك الفرصة للقيام ببعض الأمور التي من شأنها أن تكون إضافة جميلة لسيرتك الذاتية جنباً إلى جنب مع فائدتها الشخصية والعامة، مثل أعمال التطوع، والتي تعتبر عملاً نبيلاً ومقدراً على الصعيد الاجتماعي بالإضافة إلى الصعيد الدراسي بلا شك، كثير منا ليس لديه هذه الخبرة في حياته، لكن معاهد اللغة تتيحها كجزء من البرامج الاختيارية لديها وبأشكال مختلفة، كل ما عليك هو اختيار ما يناسبك خصوصاً إذا كان له علاقة بتخصصك مما سيثري الخبرة العلمية لديك أيضاً، أوراق البحث العلمي، والندوات العلمية، ومقالاتك العلمية كلها أعمال يمكن أن تدرجها أيضاً في سيرتك الذاتية مما يثريها ويزيد فرصك في الحصول على قبول أكاديمي.
هناك الكثير مما تمنحك إياه فرصة دراستك بمعاهد اللغة في بلد الدراسة نفسه، بعضه بديهي لا حاجة لذكره وبعضه الآخر تميّزه التجربة لطلاب اللغة الذين خاضوا ذلك واكتشفوه بأنفسهم، والكثير من ذلك الكثير يجعل من تجربة معاهد اللغة تجربة مميزة، وإلى حدٍّ ما مصيرية في بعض الأحيان.