أجد هذا ظريفاً إلى حدٍ ما، فأنا لا أنظر لنفسي على أنني أحد هؤلاء الغارقين إلى أذنيهم في المذاكرة تحديداً، خصوصاً مع ولعي الكبير بالاطلاع من جهة و بالتنظيم من جهة أخرى، الأمران اللذان قد يختمان على جبيني بالنردية أو على الأقل بوسواس المعرفة، ربما بسبب جديتي الظاهرة في التعامل مع كل ما يتعلق بالمعرفة؛ ينظر بعض أستاذتي الأمريكان إلَيّ بجدية بالغة تصل حد التصريح بهذا أحياناً.
حسناً، ربما من الجميل أن تعكس هذه الصورة عن نفسك في مجال الدراسة والعمل، فأنت تبني سيرتك الذاتية ذهنياً أيضاً مثلما تبنيها ورقياً أيضاً.
لكن كيف تبدو الصورة الحقيقة لذلك في عالم المعرفة، إليكم أهم ١٠ أشياء في رحلتي المعرفية ربما تُشرِع بعض النوافذ على أفكار أخرى مقاربة تقدم بعض الأفكار في مجال الاطلاع والدراسة تحديداً.
أشيائي هذه قد تتضمن بضعة أفكار و أدوات شخصية بسيطة وبعضها الآخر معقد قليلاً ولكنه فعال جداً، بعضها تحتاج إليه في حقيبتك وبعضه الآخر في بيتك أو على الأقل مكان دراستك الشخصي، هذه الأفكار الـ ١٠ مرتبة تنازلياً حسب الأهم منها على النحو التالي :
١٠. ترمس لمشروبك المفضل، و زمزمية للماء:
مشروبك الساخن -أو البارد أحياناً- يصالح مزاجك مع الأشياء من حولك، هذا ليس ترفاً في العادة بل إعادة لإحياء مزاجك و معايرة الذاكرة على الفعالية.
زمزمية الماء أيضاً ليست موجودة في حقيبتك لحالات الضرورة فقط، بل لحماية عقلك من الجفاف الذي يبدؤه جسمك، فاحرص على مقدار الماء اليومي في جسمك، خصوصاً إذا كنت من عشاق القهوة الداكنة تحديداً.
٩. طابعة متعددة المهام:
أُفضّل عادةً أن يكون لديك طابعة منزلية متعددة المهام، إذا كانت الألوان لا تهمك كثيراً فأنصح بالطابعة الليزرية -بالأسود والأبيض- لسرعتها وتوفيرها للعامل الزمني والمالي من خلال قدرتها على طباعة كمية كبيرة جداً من الأوراق لكل قنينة حبر.
مقابل الطابعة العادية فإن الطابعة الليزرية تطبع ما يقارب خمسة أضعاف كمية الورق لكل قنينة حبر، بالإضافة إلى هذا فإنك قد تحتاج إلى خدمات المسح الضوئي والتصوير و ربما الفاكس؛ فاحرص على اقتناء آلة طباعة تشمل تلك المميزات، بعض الطابعات الحديثة -تحديداً- تتمتع بمزية الطباعة اللاسلكية من خلال الأجهزة الذكية كالهواتف و الأجهزة اللوحية، هذا سيكون أفضل، كل هذا في سبيل تحاشي ضياع الوقت في الذهاب إلى الجامعة للطباعة أو التصوير، و حتى يتسنى لك إدارة أمورك بشكل مريح و سريع.
٨. مكتبة منزلية صغيرة:
لا أميل إلى المكتبات الضخمة إلا إذا توسعت لا إرادياً بحسب الضرورة، عادةً فإن المكتبة الصغيرة تمنحك القدرة على التركيز على متابعة محتوياتها والاستشهاد بها والرجوع إليها بشكل أفضل، إذا كنت تمتلك مكتبة ضخمة فخصص جزأً منها على الأقل للكتب الأكثر أهمية في مجال اطلاعك وحاجتك المتكررة لمراجعتها بدلاً من وجودها داخل تصنيف المكتبة الضخمة نفسها، كثير من الكتب لا حاجة إلى قراءته مرة أخرى.
إذا كنت مثلي من الذين يحبون تدوين الملاحظات على هوامش الكتب ووضع علامات و خطوط فيما تحت و ما بين السطور فستصبح ملاحظاتك هذه شخصاً ثالثاً بالإضافة لمؤلف الكتاب وأنت، الكتب التي لا يوجد فيها شخصٌ ثالث لا تستحق البقاء في المكتبة إلا إذا كان لوجودها غرضٌ واضح.
٧. مجلة علمية واحدة على الأقل في حقيبتك:
لا أُفضّل الهوس بقراءة الكتب رغم إنني من عشاقها و أكاد أكون "بيبليومانيّاً" في بعض الأحيان، لكن لا تسمح لنفسك بالاقتناء المفرط، لأنني أؤمن بأن مصادر الاطلاع متنوعة وغزيرة فأنا أتنقل بينها واضعاً وقتاً يناسب كل مصدرٍ بحسب وفرة محتوياته وقيمتها في الوقت نفسه.
واحدة من هذه المصادر هي المجلة العلمية في مجال التخصص، ولأنه أحياناً ما تكون هناك أكثر من مجلة علمية في مجال تخصصك فأنصح باختيار الأقرب منها إلى طبيعة اهتمامك واصطحابها معك في حقيبتك، لأن الكتاب ليس هو الرفيق المناسب خصوصاً فيما يتعلق بأوقات الانتظار، فالمقالات العلمية تعتبر الكبسولة المناسبة لأوقات الانتظار كثافةً ووقتاً.
٦. أوراق مختارة من كتب قيمة:
عادةً تكون هذه الأوراق عبارة عن مستخلصاتي الخاصة من الكتب القليلة التي تستحق إعادة قراءتها مرتين أو أكثر بسبب كونها كتباً مؤسِّسة أو مرجعية أو موسوعية في التخصص، هذه الأوراق المنتقاة عبارة عن حصيلة ما أشارت حوله أقلامي بملاحظات نقدية أو أفكار أو استفسارات مفتوحة، أقوم بطباعتها بشكل شخصي و أراجعها في أوقات الانتظار أو في أوقات أحددها لذلك، أُفضِّل أن تكون عادةً في حقيبتك.
٥. ملخصات شهرية للمراجعة:
عادةً تكون عبارة عن حصيلة تلخيصية لمجموعة كتب أو مقالات علمية مطوَّلة تمت قراءتها وتلخيصها خلال الشهر، بعد مراجعتها يتم النظر في إعادة قراءة بعضها مرة أخرى أو مغادرتها للمكتبة فوراً، ستأخذ منك هذه الخطوة وقتاً وجهداً، أُفضِّل أن تشغل يوماً كاملاً في آخر إجازة أسبوعية خلال الشهر، اجعل مراجعتك تستحق هذا الوقت الثمين، لا تجامل قراءاتك أو كتبك، فالمكتبة قيمتها فيما تحتويه لا في حجمها، إذا كنت من الذين يقرؤون كثيراً فالتناسب العكسي بين كمية ما تقرأ وحجم مكتبتك الصغير سيعكسان مدى جدية مكتبتك وقيمتها، بالإضافة إلى أن هذه المراجعة ستعمل على تنشيط ذاكرتك بمجمل ما قرأت خلال الشهر وتبقيك على اتصال بمستجدات مكتبتك.
٤. حلقة علمية لتبادل الآراء:
مكونة من أشخاص في حقل المعرفة نفسه على عدة مستويات، طلاب و أستاذة و علماء، يمكن أن تبدأ بدائرة صغيرة من المقربين -أصدقاءك و أقاربك وأستاذتك الجامعيين- الذين يشاركونك الاهتمام بنوع الأفكار نفسه، يمكنك بعد ذلك توسيع دائرتك بقدر ما تتقوى به الحلقة.
الهدف من هذه الحلقة هو مواصلة تلقيح الأفكار وتدويرها، هذه الحلقة ينبغي أن تكون على تواصل مرة واحدة على الأقل كل شهر، ليس بالضرورة أن تكون بشكل مباشر -رغم أفضلية هذا- لكن أيضاً عن طريق وسائل التواصل الشخصي مثل الهاتف، البريد الإلكتروني، برامج التواصل الإلكتروني (skype و غيره ).
٣. ورقة بحث علمي واحدة على الأقل:
احرص على أن تحوي حقيبتك أو مكتبك ورقة بحث علمي واحدة على الأقل تعمل عليها خلال فترة محددة (ثلاثة شهور كحد أقصى)، و بمجرد انتهاءك منها و من مراجعتها و البدء بإجراءات اعتمادها ابدأ بغيرها.
إذا كنت من الذين يحبون قراءة الأبحاث العلمية المطولة فستجد الكثير من الأفكار التي يمكن أن تكون نواة تلك الأوراق، لا تحاول كتابة الورقة لمجرة كتابتها فقط.
على سبيل المثال؛ أذكر أثناء قراءتي لبعض الأبحاث العلمية عن الدماغ مروري ببعض القضايا المعرفية فيما يتعلق بالجانب العصبي الوظيفي التي ما زالت معلقة لم يتم معالجتها بحثياً أو لم يتم التوصل إلى حل، مباشرةً كنت أشير إليها بقلمي الرصاص و أنوي بها مشروع ورقة بحث علمي على الأقل إذا لم تكن مشروعاً بحثياً مطولاً.
٢. هاتف ذكي:
لفترة طويلة لم أكن مقتنعاً بالهواتف الذكية، ظللتُ معتقداً بأن هاتفي العادي الذي يتيح لي التواصل مع الآخرين عبر المكالمات و الرسائل العادية كافٍ جداً، لكن في اللحظة التي توسعت فيها حاجتي للتقنية تخلصت مباشرةً من جوالي القديم و ابتعتُ هاتفاً ذكياً أصبح دفتر ملاحظاتي و مذكرتي و رفيق حقيبتي الدائم.
١. كمبيوتر شخصي:
الرفيق المهم في أي رحلة معرفية في الوقت المعاصر (المحمول أولاً، ثم المنزلي، ثم كومبيوتر العمل أو الدراسة، على التوالي في الأفضلية)، ولأنني لستُ مهووساً بالتقنية فأنا شخص موثوق في هذه الحالة لأنصح باقتناء جهاز خاص تتابع فيه عالمك الدراسي بأفضل ما يمكن للتقنية أن تخدمك به، مؤخراً أصبحتُ أكثر اهتماماً بقدر ما تقتضيه ضرورة تطويع وسائل التقنية في اطلاعي و تنظيم حياتي.
هذه باختصار هي أهم ١٠ أشياء في رحلتي العلمية، وبرغم تجارب الكثير من الطلاب والمهتمين بالشأن المعرفي المقارب لتجربتي إلا أنني فضلتُ الكتابة عن أفكاري الخاصة ربما أكملتْ فراغاً في رحلة أحدٍ ما أو أضفتُ إليه وسيلة جديدة.