بدأت د. ذكية بالتخطيط للمقررات الدراسية التى كُلفت بتدريسها، تذكرت أن د. وهيبة أعطتها رقم د. كريم لتستفيد من خبراته السابقة في تدريس هذه المقررات. اتصلت عليه وقد كان بالفعل اسمه ينطبق على شخصيته فقد كان كريماً جداً معها رحب بمساعدتها، وارسل لها توصيف المقررات الدراسية المعتمدة من لجنة الجودة في القسم، ولم يبخل عليها بإرسال العروض التقديمية للمحاضرات والاختبارات الفصلية والنهائية وجميع ما يتعلق بتدريس هذه المقررات، وختم رسالته بعبارة جعلتها تتأمل كثيراً وتفكر فيما ستخطط له للتدريس حيث كتب لها " التعليم ليس مرآة تعكس أفكار الآخرين وخبراتهم بل التعليم هو نافذة حرة للرؤية والتفكر والتخيل والإبداع".
هذه العبارة على الرغم من بساطتها إلا أنها شكلت عند د .ذكية فلسفتها في التدريس وبالفعل بدأت بتشكيل المقررات التى ستقوم بتدريسها كنوافذ شفافة تساعد على اكتساب المعرفة والمهارة بشكل وظيفي متكامل، وتتيح الفرصة للطالبات في نفس الوقت على التخيل والتفكر ومن ثم الإبداع، وكان عليها أن تعرف أولاً موقع هذه المقررات في خريطة البرنامج الأكاديمي للقسم وهل هناك متطلبات لهذه المقررات وما مدى ارتباطها بما درسته الطالبات سابقاً، وبعد تحديدها لموقع هذه المقررات في البرنامج الأكاديمي ومجالاتها وعلاقتها بالمقررات الاخرى. تذكرت أهمية اطلاعها عالمياً على مقررات شبيها بالمقررات التى سوف تقوم بتدريسها فقد تستفيد منها في موضوعاتها أو أنشطتها التعليمية أو حتى أساليب التقويم المقترحة لتقويم مخرجاتها ، وبعد ما انتهت د.ذكية من رحلة المراجعة والاطلاع اصبحت الآن على استعداد لتخطيط المقررات بشكل يحقق أهدافها الرسمية ويناسب الاتجاهات العالمية في التدريس ، ولكن الآن التحدي الحقيقي أمام د.ذكية هو: كيف يمكن أن تجعل هذه المقررات كنوافذ حرة ترى من خلالها الطالبة ما تستفيد منه في حياتها وتخصصها وفي نفس الوقت يكون ممتعا ويحفز تفكيرها، بالإضافة إلى أن رؤية الأشياء من النوافذ لابد أن ترتبط بمنظوره الشخصي لذا من المهم جداً أن يتيح التعليم فرصة للطالب ليعبر عن وجهة نظره، ويشارك الآخرين فيها وفي المقابل أيضاً يحترم وجهات نظرهم.
بدأت د.ذكية بإعداد توصيف المقررات التى ستقوم بتدريسها والتى سوف توزعها على الطالبات , وقد تذكرت أيام دراستها في الخارج كيف أن الأساتذة يحرصون على التوصيف بشكل كبير حيث يعتبرونه بمثابة العقد بين الأستاذ والطالب. لذلك قسمت توصيف المقرر إلى ثلاثة أجزاء: (1) توصيف المقرر الدراسي, (2) مخطط المقرر الدراسي (3) الأنظمة والإجراءات الخاصة به. وميزة هذا التنظيم من وجهة نظر د.ذكية أنه سيكون لديها ثلاثة أجزاء منفصلة يمكن إعادة استخدامها في مقررات دراسية أخرى.
ركزت د. ذكية في جزء توصيف المقرر الدراسي على المعلومات الأساسية للمقرر كعنوانه ورمزه والفصل الدراسي، والبيانات الشخصية لها، وساعات العمل المكتبية، والمراجع المطلوبة و القراءات، وأهم جزء اهتمت به في التوصيف هو نتائج التعلم، وقد بذلت جهد كبير في تحديدها أكثر من موضوعات المقرر التي يجب أن تقدمها، وذلك حتى تجد نتائج مرضية للمقرر الدراسي ولطالباتها. أما بالنسبة لمخطط المقرر الدراسي فقد شمل توصيفها التخطيط الموضوعي للمحتويات التي يجب تغطيتها في الفصل الدراسي مع إطار تخصيص الوقت مثلا (الأسبوع 1 والأسبوع 2 إلى آخره )، كما تضمن التكليفات والواجبات والاختبارات والمعايير المرتبطة بها و توزيع الدرجات. أما قسم الأنظمة والإجراءات فقد حددت د.ذكية إجراءاتها وأنظمتها في القاعة الدراسية كأنظمة الحضور، وتوقعاتها عن السلوكيات المرغوبة من الطالبة في القاعة، وكيفية تسليم التكليفات، وإعادة الاختبارات أو الواجبات المتأخر تسليمها، مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، والطرق التعليمية المستخدمة، والعادات الدراسية المقترحة.
انتهت د. ذكية من توصيف مقرراتها التدريسية، وهي تشعر بالراحة لأنها خططت ورسمت ما تريد أن تقوم بتدريسه طوال الفصل الدراسي مما أشعرها بالثقة والحماس لتبدأ مع طالباتها العزيزات غدا ً صباحاً. وفي صباح اليوم التالي استيقظت د. ذكية وهى تشعر بالفرح والقلق معاً كأنها طالبة تدخل مدرسة جديدة لا تعرف فيها أحد. توجهت إلى والدها الأستاذ منصور لتدعوا له بصبح جميل ولتطلب منه أن يدعوا لها في أول أيام تدريسها، وكعادته ابتسم ابتسامة الرضا وقال لها ما زلت طفلة صغيرة مشاعرك بريئة وروحك صافية وراقية، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب إني راض عنها فافتح لها أبواب فضلك ورحمتك وارزقها من حيث لا تحتسب. بهذه الكلمات بدأت د. ذكية يومها وتوجهت نحو الجامعة وهى كلها طموح وحماس وأمل.
ولكن أحياناً قد يعكر صفو حياتنا ومزاجنا أناس نتجنب رؤيتهم بسبب وجود هالة سوداء من الطاقة السلبية تحيط بهم، وقد تتسع لتوثر على من حولها، نعم فقد قابلتها د. وهيبة بابتسامتها العريضة وعيناها الثاقبتان وصوتها الحاد وبادرت بالترحيب بها بل وعرضت عليها مرافقتها إلى القاعة الدراسية، وطوال رحلتهم نحو القاعة و د. ذكية تُتمتم بالمعوذتين وآية الكرسي ليحميها الله من هالة الدكتورة وهيبة إلى أن وصلت القاعة، وشكرتها.
دخلت د. ذكية القاعة ووقفت أمام الطالبات لأول مرة، ولكنها تفاجأت بالإعداد الكبيرة للطالبات حيث وصلت أعدادهن في القاعة إلى ستين وكانت القاعة على شكل مدرج، لم تأخذ هذا في حسبانها فقد خططت تدريسها ليكون تعلم تعاوني، وأثناء تأملاها القاعة وتفكيرها بما خططت له، قاطعها صوت طالبة تقول لها لو سمحتي دكتورة اريد أن أستأذن لأرد على الجوال، وقبل أن تأذن لها د. ذكية ارتفع صوت طالبة اخرى لتقول لها هل ستحضرين الطالبات في بداية المحاضرة أم نهايتها، وقبل أن تتفوه د. ذكية بكلمة سمعت عدد آخر من الطالبات يقلن لها نريد الاستراحة في نهاية المحاضرة لنخرج باكراً، وفي جهة أخرى من القاعة ترد الطالبات لا لا نستطيع أن نحتمل محاضرتين بدون استراحة ...
أين الآن د. ذكية أنها تقف جامدة لا تعرف ما تقول فقد ضاعت الخطط والتواصيف ولم يبقى لها الآن إلا سرعة البديهة والثقة والمهارات الشخصية فالانطباع الأول هو المفتاح لعلاقة ناجحة مع الطالبات ...،،،،،،،،
تابعونا في الحلقة القادمة لنعرف كيف تصرفت د. ذكية في تجربتها الأولى مع الطالبات.