لكن لو نظرنا بتأمل في حالنا أثناء الدراسة أثناء الابتعاث أثناء الغربة أثناء العمل أثناء النجاح أثناء المرض والشدة ! من حولنا؟ من يشاركنا همومنا ومعارفنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا؟ إنه ذلك الإنسان الخفي فينا، إنه ذلك الحب الذي ينمو بيننا دون أن نشعر به! وللأسف أصبح مجرد النطق بكلمة الحب ومشتقاتها توحي بضحالة الفكر وسطحية الشعور، وهذا من تأثير عوامل متعددة كان من أبرزها عدم فسح المجال لمشاركة الدراسات الإنسانية للمضي قدماً في بناء وتأهيل المجتمع المعرفي . وبقراءة بسيطة لمكونات الإنسان الكريم قال تعالى {يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك} وقوله جل جلاله { ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }. فمن تمام الخلقة السوية المعتدلة توازن الإنسان في مطالبه بين الروح والجسد والعقل .
فالمعرفة أولا كائن حي ينبض بالتجديد والاستمرار بطول تعاهده بالسقيا والغراس النافع. والمجتمع المعرفي هو المكون لتلك المعرفة والمحيط الذي تنمو فيه، فهو مجتمع إنساني شامل لكل أحوال الإنسان ،ويلبي احتياجاته الوظيفية والمهنية وآلنفسية ، ومن أهمها تكوين العلاقات الناجحة سواء على مستوى القسم أم الكلية أم الجامعة أم الفضاء الإنساني اللامحدود الذي تقاربت ردهاته بالوسائل التقنية الحديثة.
إذاً: الأكاديمي الناجح يحتاج لسند من العلاقات الناجحة والمتميزة التي تدفعه نحو النجاح والازدهار تشاركه أفراحه وتحزن لحزنه وتدعم وتشجع خبراته وتسدد مسيرته. فمثل العلاقة مع الطالب في المجتمع المعرفي لا تنتهي بتخرج الطالب ولا بحصوله على وظيفة ، بل هي علاقة ممتدة بالتواصل العلمي والاحترام والتقدير لمن علمه حرفاً فكيف بمن بذل عقله وروحه وعافيته ليستثمر في رأس المال الحقيقي وهو الإنسان ، أليس ذلك تعبيرا حقيقيا عن الحب لذلك الطالب. أما مايحصل في المجالس والأقسام فتتمثل فيها الروابط الأصيلة والوشائج المتينة لو استثمرنا دعوة الحب فيها. والأمثلة كثيرة وقس على ذلك بين مقل و مكثر ! فهل بعد هذا ألسنا بحاجة لمراجعة أعمالنا ورؤيتنا، وتنمية مجتمعنا المعرفي وتغليفه بغلاف محبوب جميل، وربطه برباط وثيق .