المشرف الدراسي
في بداية بحثي عن مشرف لمرحلة الدكتوراة لم أكن اعرف الكثير عن هذه المرحلة ولم أقرأ عنها، كنت أعتقد أن دراستي للماجستير في جامعة بريطانية كافية لتكوين خبرة كافية عن أساسيات البحث العلمي والدراسات العليا. كنت مخطئة تماماً لأن هذه المرحلة ليست كسابقتها أبدا، هناك أمور كثيرة مختلفة. إحدى صديقاتي في مرحلة الدكتوراة قالت لي قبل عدة أشهر "حين درست الماجستير كانت الأمور ميسرة وكان تعامل الاساتذة مرن جدًا، وحين انتقلنا لمرحلة الدكتوراة تغير تماما! لم أعد أميز بين الشخصيتين، فالأستاذ في مرحلة الدكتوراه يكون أكثر جدية ولا يتقبل أي شيء لأنه يرى أنها مرحلة مهمة ومصيرية وليست تدريب كمرحلة الماجستير ، ومخرجات الدكتوراه يجب أن تكون على مستوى عال جدًا". استنتجت من حديثها أن اختيار الطالب لمرحلة الدكتوراه نفس مشرفه في الماجستير بناءً على معاملته في تلك المرحلة قد يكون خيارا غير صائب. في مرحلة الماجستير المشرف يلتزم بثمان ساعات قراءة وإشراف خلال الست شهور التي سيكتب فيها البحث ولن يطلع عليه سواه والمصحح الثاني أي أن الموضوع خالي تمامًا من تقيم وإشراف عدة جهات كما في مرحلة الدكتوراة.
بعد أن انقضى عامي الأول في هذه المرحلة وصلت إلى قناعة مهمة جدًا أثرت كثيرًا في مسيرتي وفي أحلامي وآمالي. المشرف إن لم يكن متمكنا ومهتما ويوافق التوقعات قد يؤثر في كل خطواتك. الأهم قبل أي قرار في هذه المرحلة هو تحديد التخصص الدقيق المفضل ثم البحث في خيارات المشرفين المتوفرة ضمن الجامعات الجيدة، لأن المشرف الجيد يضمن لك الأساس والاستمرار الجيد، المشرف الغير متمكن سيحول كل أحلامك الوردية إلى رمادية. ستجد نفسك في هذه الرحلة أسير الوحدة والعزلة فما أهمية القسم أو الجامعة أو المكتبة بدون التوجيه السليم.
التخصص الدقيق وموضوع البحث
الحلم باختيار تخصص جيد وفريد ومختلف هو حلم يراود الكثير وكثيرًا ما التقينا بمن يحكينا عن ذلك البحث السرمدي الذي يقوم به دون أن يسرد أي تفاصيل عن محتواه أو جدواه . هل فعلا الحلم في هذه المرحلة هو حلم بالوصول إلى قمة لن يصلها أحد والتربع فيها؟ وهل الحلم سيتحقق آم سيظل حلم يصطدم بالواقع المختلف؟ لنتفق في البداية على أن اختيار التخصص الدقيق والدقيق جدًا في موضوع البحث أمر مهم جدًا ، والسعي من أجل العمل في بحث جديد ومفيد ومقنع مفيد. ولكن في الحقيقة البحث الجديد والمفيد ليس بالضرورة بحث لم يسبقك إليه أحد من العالمين لأنها نظرية خاطئة.
العلم قام ويقوم على المشاركة والتجربة والبناء ،ولم يبزغ الاختراعات والاكتشافات والنظريات من شخص واحد فقط بل قامت على تطوير عمل سابق. لذلك حتى يكون الحلم واقعي لابد من أن يكون عمليا وقابلا للتطبيق لا أن يضع الطالب أفكارا وتصورات أكبر بكثير من الإمكانيات المتوفرة والوقت الذي يملكه والقدرة على التواصل مع العينة أو الأدوات أو العمل في المعامل المناسبة لتطبيق الفكرة . أحيانا تكون الحماسة كبيرة والرغبة في تحقيق المستحيل جامحة ولكن تحتاج إلى واقعية ودراسة شاملة ومنطقية . لذلك يجب أن تبدأ هذه الرحلة وتستمر بدراسة شاملة لما يمكن تحقيقه وما لا يمكن تحقيقه. رسالة الدكتوراه تعتبر إضافة نقطة إلى بحر العلم الواسع لذلك يفترض أن لا يجعل منها الباحث المشروع الحلم الذي سيغير به العالم لأنه سيخرط بعدها كباحث متمكن في المشاركة في مشاريع بحثية ضخمة وقد تؤثر في مسيرة المحيط الذي يعمل به تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا.
بالنسبة لي أول ما بدأت في البحث كنت قد اخترت التخصص منذ فترة طويلة وحين بدأت في مرحلة الدكتوراه وجدت أن الخطة التي كتبتها للتقديم للدكتوراه قبل سنة ونصف غير موضوعية وغير ممكنة وغير قابلة للتحقيق كانت مجرد حلم كبير في التغير غير قابل للتحقيق فأعدت صياغتها من جديد. كل ما قررت العمل به هو جزء صغير من المشروع واقعي ومعقول في التطبيق ، وحين بدأت رحلة القراءة اكتشفت أن هناك الكثير من المواضيع المكتوبة في هذا النطاق وأن التحدي الحقيقي هو أن أجد لبحثي مكان ملائم في هذا البناء الجميل ليستقيم وينجح. ولذلك ليس العيب في مواصلة العمل في مشروع موجود بل كيف تجد لمشروعك مكان وكيف يمكن أن يحقق إضافة للعلم ولما يعرفه الإنسان عن مجال ما.
ولايفوتني أن ألخص مجموعة من النقاط من واقع تجربتي تساعد طالب الدكتوراه بإذن الله على المضي في طريقه خلال هذه المرحلة خصوصا قي بداية الدراسة أو السنة الأولى بالمجمل:
- اختيار حلم دراسي واقعي يود تحقيقه.
- اختيار موضوع قابل للتطبيق مع القدرة على الوصول للبيانات والعينة المطلوبة.
- الإلتزام بالعمل والجدية.
- الحرص على حل كل المشاكل والتغلب على المعوقات منذ البداية.
- المحافظة على جدول عمل منظم ومتجدد .
- تفادي العزلة والمشاركة مع الآخرين وتبادل المعرفة والآراء.
- التواصل الجيد مع المشرف الدراسي والقسم.
- التغيير والتجديد والترويح عن النفس لتفادي الشعور بالملل .
وختاما، في سنتي الأولى من الدكتوراه كانت هناك أحلام بعضها تحقق والبعض الآخر تلاشى ولذلك قررت أن أغير كل شيء وأواصل الحلم بشكل مختلف يساعدني على التقدم في عملي وتحقيق أهدافي. ونصيحتي لكل مقبل على هذه المرحلة التخطيط بجدية وواقعية . كل الأمنيات لكم بالتوفيق.