وماكان من المصورة إلا أن تفاوض والدة الطفلة لتقوم بتصويرها و فعلا وافقت الأم وبعدها اشترت المصورة ملابس جديدة للطفلة بدلا من القديمة الرثة لكي يكتمل جمال الصورة و بعد تهيئة الطفلة قامت بتصويرها بعدد من الوضعيات التي تبرز جمالها و لم تنسى أن تلتقط لها صورة قبل التعديل وهي في حالها الحقيقي المأساوي لتكتمل فصول القصة، ثم قامت بنشر صور الطفلة المسكينة ( قبل ، و بعد ) في حسابها بالإنستقرام لتبرهن على التغيير الذي أحدثته و براعتها في فن التصوير، و الأدهى بأن كل ما سبق ذكره كان محل تقدير للكثيرات و أثارت أعجابهن بهذا العمل النبيل المتمثل بإسعاد الطفلة و بالطبع انتشرت صور الطفلة و قصتها بالإنستقرام كرمز للفن و الإبداع .
من هذا الموقف الحقيقي و الذي حدث قبل أشهر نتساءل إلى أين يتجه مجتمعنا و بأي وعي و ثقافة يحملها تجاه الطفل و حقوقه؟ لقد باتت الطفولة سلعة رائجة نشهد بؤسها يوميا، شوارعنا و أرصفتنا باتت ملاذا لأطفال بعمر الأشهر مع الأمهات للتسول و حسابات الإنستقرام يغص بصور الطفلات اللاتي تلطخت ملامحهن البريئة بمساحيق التجميل، يصلنا بشكل يومي مقاطع فيديو مسيئة للأطفال تحمل في محتوياتها مواقف خطيرة و أخرى يظهر فيها الأطفال بأوضاع غريبة لتوثيق ردات فعلهم لتصبح مادة دسمة باعثة للضحك يتم تناقلها و التسابق بعرضها للحصول على مشاهدات عالية في حسابات التواصل الإجتماعي أمهات يتاجرن بأطفالهن بتوثيق يومياتهم للحصول على الإعلانات التجارية و تلقي الهدايا من التاجرات و هذا إنتهاك لحقوق الطفل و لو أطلعنا على اللائحة التنفيذية لنظام حماية الطفل الصادرة من وزارة الشؤون الإجتماعية وجدنا بأنه يندرج تحت المادة الثالثة منع استغلال الطفل بالتسويق التجاري .
المؤلم بأن شريحة كبيرة ممن يمارس هذا الإيذاء على الأطفال هن الأمهات فقد تتلمس جمال طفلتها الخارجي أو تميز شخصيتها فتسارع لعرضها و استخدامها كوسيلة لجلب الإعلانات و تقبل الهدايا عن طريق عرض مقاطع فيديو يومية لحياة الطفلة وهذا فيه عبث بخصوصية الطفل كذلك يشكل ضغط نفسي له حيث ستتعمد الأم إفتعال المواقف لرصد ردود الفعل التي ستحوز على إعجاب جمهور الطفل، ومما لاشك فيه بأن هناك الكثير من الآثار النفسية و الاجتماعية التي تترتب على تلك الانتهاكات .
لكل الأمهات اللاتي عرّضن أطفالهن لهذه التجارب حين يقرأ الأطفال الكلمات المسيئة لهم و التعليقات المؤذية كيف ستعالج الموقف ؟ و بماذا سترد وهي التي صنعت بيدها كل ذلك ؟ و حين يمر الوقت و تذوي شهرة الطفل حيث كان مركز الاهتمام كيف ستتصرف مع طفلها الذي عاش الشهرة و فصولها و كيف ستلبي متطلباته و رغباته .
وهنا أدعو المؤسسات و الجمعيات التي تهتم بالطفولة للمسارعة بالتوعية بهذه الجوانب و ربط ذلك بحقوق الطفل و التي يتجاهلها الكثير و يتخطاها لعدم وعيهم بها و بآثارها المستقبلية على الطفل و يجب التأكيد على الأمهات بضرورة إحترام و تطبيق القوانين التي تضعها برامج التواصل الاجتماعي بعدم السماح للأطفال بإنشاء حسابات لهم فهذا الشرط لم يوضع عبث و ليس هو تقييد للحريات بل لأن هناك الكثير من المواد التي تعرض لا تتناسب مع الأطفال , و إني أتساءل ماهو موقف الأمهات التي تتلاعب بالأنظمة و تزور تاريخ ميلاد طفلها لتقوم بإنشاء حساب له بالسناب شات أو الإنستقرام ؟ اترك الإجابة مفتوحة لتثير تساؤلات كثيرة حول وعينا بالتقنية و كيفية استخدامها مع أطفالنا .